القصيدة:
عاتب دهرًا لا يلين لعاتبِ * وأطلبُ أمنًا من صروف النوائبِ
وتوعدني الأيام وعدًا تغرُّ بي * وأعلمُ حقًّا أنه وعد كاذبِ
خدمتُ أناسًا واتخذتُ أقاربًا * لعوني ولكن أصبحوا كالعقاربِ
ينادونني في السلم: يا ابن زبيبة * وعند صدام الخيل: يا ابن الأطايبِ
ولولا الهوى ما ذلّ مثلي لمثلِهم * ولا خضعت أسد الفلا للثعالبِ
فَيا ليتَ أَنَّ الدَّهرَ يُدنِي أَحِبَّتِـي * إِلــيَّ كَـمَـا يُـدنِـي إِلــيَّ مَـصَـائِبِـي
وَلَيتَ خَيَالاً مِنكِ يَا عَبـلُ طَارِقَـاً * يَرَى فَيضَ جَفنِي بِالدُّمُوعِ السِّوَاكِبِ
سَأَصبِرُ حَتَّى تَطرُحُنِي عَوَاذِلِي * وَحَـتَّـى يَضِـجَّ الصَّبـرُ بَيـنَ جَوَانِبِـي
مَقَامُكِ فِـي جَـوِّ السَّمَـاءِ مَكَانُـهُ * وَبَاعِـي قَصِيـرٌ عَـن نَـوَالِ الكَوَاكِـبِ
شرح القصيدة:
"عاتب دهرًا لا يلين لعاتبِ * وأطلبُ أمنًا من صروف النوائبِ"
تفتتح القصيدة بعبارة تعبر عن العتاب المستمر للدهر، حيث يشكو الشاعر من صعوبة التعامل مع الحياة وظروفها. يبحث عن الأمان في وسط الصعوبات والمشاكل التي تواجهه، مما يظهر حاجته إلى الاستقرار والراحة.
"وتوعدني الأيام وعدًا تغرُّ بي * وأعلمُ حقًّا أنه وعد كاذبِ"
يتناول الشاعر في هذا البيت توعد الأيام ووعودها التي قد تكون واعدة بالخير، ولكنه يفهم جيدًا أن هذه الوعود قد تكون كاذبة. يظهر هنا الحذر والتوقع من الحياة وما قد تحمله من غموض وتقلبات.
"خدمتُ أناسًا واتخذتُ أقاربًا * لعوني ولكن أصبحوا كالعقاربِ"
يستخدم الشاعر هنا صورة "العقارب" لوصف الأقارب الذين انتظر منهم الدعم والمساعدة، لكنهم كانوا كالعقارب تمامًا، يأتون بسرعة في السلم ويعترفون به في الصعاب، ولكن في الواقع يكونون مضرين وخيانين كالعقارب.
"ينادونني في السلم: يا ابن زبيبة * وعند صدام الخيل: يا ابن الأطايبِ"
يشير الشاعر إلى اللحظات التي يُنادى فيها باسمه في السلم وعند صدام الخيل، مما يظهر قيمته ومكانته في الجماعة والمجتمع. يستخدم لفظ "ابن الأطايب" للتأكيد على فخره وشرفه.
"ولولا الهوى ما ذلّ مثلي لمثلِهم * ولا خضعت أسد الفلا للثعالبِ"
في هذا البيت، يقول الشاعر لولا الهوى (الحب) الذي جعله ينحني ويذل لمثل هؤلاء الأقارب، فإنه لن يتذلل ولن يتخذ سلوكًا كهذه الحيوانات الضارة.
"فَيا ليتَ أَنَّ الدَّهرَ يُدنِي أَحِبَّتِـي * إِلــيَّ كَـمَـا يُـدنِـي إِلــيَّ مَـصَـائِبِـي"
يتوجه الشاعر بنداء إلى الدهر، يعبر فيه عن رغبته في أن تقربه الأيام من أحبائه وأحبائه منه. يعبر عن أمله في تحقيق التقارب والاقتراب منهم، ويظهر أن لديهم مكانة خاصة في قلبه.
"وَلَيتَ خَيَالاً مِنكِ يَا عَبـلُ طَارِقَـاً * يَرَى فَيضَ جَفنِي بِالدُّمُوعِ السِّوَاكِبِ"
يتوجه الشاعر بطلب إلى عبلة، حيث يتمنى وجود خيال يأتي منها يرى فيض الدموع في عينيه الذي يكاد يكون كالنجوم. يظهر هنا الحنين والشوق إلى المحبوبة.
"سأصبر حتى تطرحني عواذلي * وحتى يضج الصبر بين جوانبي"
يؤكد الشاعر على قوته وصبره، معبرًا عن استعداده لتحمل ما يأتي من العواذل والصعاب. يشدد على أنه سيظل صابرًا حتى يُرَمَى بعيدًا من قِبَل الأشخاص الذين يعتبرهم عواذله.
"مَقَامُكِ فِي جَـوِّ السَّمَـاءِ مَكَانُـهُ * وَبَاعِـي قَصِيـرٌ عَـن نَـوَالِ الكَوَاكِـبِ"
يختتم الشاعر القصيدة بتوجيه نظرة ساخرة إلى قدره ومكانته في المقام السماوي، حيث يرى أن مكانته عالية كمكانة الكواكب، بينما باعه قصير ولا يصل إلى نوال تلك الكواكب.